ما الذي يجعل المعلم متميزًا؟
أبسط
الأسئلة في الحياة تصبح أحيانًا أصعبها عند الإجابة عليه! فبعد كل
الملايين التي تم استثمارها في مجال التعليم لرفع كفاءة وفعالية المدارس،
وبعد أن أمضى صناع السياسة آلاف الساعات في إصلاح النظم التعليمية، مازال
هناك سؤال هام يطرح نفسه: «هل توصلنا بالإجماع إلى إجابة على أهم تلك
الأسئلة:
ما الذي يجعل المعلم متميزًا؟»... الإجابة باختصار هي «لا».
لقد
التقى مجموعة من الخبراء في ويستمينستر، بدعوة من وكالة كمبريدج للتقييم،
للتعبير عن آرائهم ومعارفهم البحثية، في محاولة مضنية لتعريف المقصود
بـ«المعلم الجيد». وقد كان التوقيت رائعًا في ظل النقاش الدائر حول تدريب
المعلمين، وفي ظل خطة مكتب معايير التعليم وخدمات ومهارات الأطفال (اوفستد)
التي تشجع «البرنامج الإبداعي لتدريب المعلمين المعنون: علـّم أولًا».
وتقوم
هذه الخطة على تدريب الخريجين المتميزين للغاية في المدارس الثانوية
مباشرة لمدة عامين. وترى «اوفستد» أن خطة «علـّم أولًا» تكشف عن نسبة كبيرة
من المعلمين «المتميزين»، وتساعد في تطوير المدارس المنتشرة في أحياء
المدينة، حيث يتدرب هؤلاء الخريجون. علاوة على ذلك، تجذب تلك الخطة
الخريجين الذين قد لا تستهويم من قبل فكرة العمل في مهنة التدريس.
ويرى
الباحثون أن المعلمين الحاصلين على أعلى المؤهلات لا يعتبرون بشكل تلقائي
«أفضل» المعلمين في الفصول، فماذا عن رأي الخبراء في هذا الشأن؟ ترى
البروفيسور باتريشيا بروادفوت، أستاذة التربية السابقة ونائب مستشار جامعة
جلوشيسترشير حاليًا، أن الدراسات العالمية أوضحت أن «أرقى أنواع التعليم
والتدريس يمكن الحصول عليها عندما نضمن للمعلم والمتعلم أكبر قدر من
الاستقلالية». وتضيف بروادفوت «أن المعلم الجيد هو ذلك الشخص الذي نتركه
يواصل عمله في أداء ما نعتقد أن أولادنا في حاجة إليه».
وهذا
الرأي يبدو وكأنه نوع من الرفض للمنهج التوصيفي الخاص بالمنهج الدراسي
واستراتيجيات القراءة والعد. وتقترح البروفيسور بروادفوت أن يكون تقييم
المعلم وفق منهج يرتكز أكثر على علاقته مع الطفل أو الطالب. فقد أظهرت
الأبحاث «أن المعلم الجيد عليه أن ينخرط بقوة في العلاقة الشعورية التي
تنشأ بين المعلم والطالب».
وعليه،
فإن المقومات الرئيسية للتعليم الجيد، في رأي البروفيسور بروادفوت، تشمل:
خلق مناخ من الاحترام المتبادل والنزاهة والعدل في الفصل، وتوفير فرص
التعليم الفعال وإشاعة أجواء المرح لتشجيع الطلاب على المشاركة، وجعل
التعلم أمرًا شيقًا، وشرح الأشياء بشكل واضح.
وتبنت
البروفيسور ديبرا مايهيل، من جامعة إكستير، موقفًا مشابهًا، حيث ترى أن
المعرفة الجيدة للموضوع والقدرة العقلية أمران مهمان، ولكنهما غير كافيين
لجعل المرء معلمًا جيدًا. فالمقوم الحاسم، في رأيها، هو قدرة المعلم على
التفكير مليًا في أدائه ثم تغييره. وتتبنى مايهيل فكرة أن المعلم الجيد «هو
ذلك الشخص المبدع الذي لا يكون سلبيًا عند التزامه بمبادرات الحكومة ولا
يبدي رفضًا صريحًا في ذات الوقت عند تنفيذها، وإنما يكيف ويهيئ كليهما على
نحو مبدع وخلاق».
أما
الخبيرة الثالثة، البروفيسور ماري جيمس، من معهد التربية، فترى «أن أهم
متطلبات المعلم الجيد أن يشجع المتعلم على المشاركة النشطة». وفي هذا
الصدد، استلهمت ماري جيمس الدراسات التي أظهرت حجم المكاسب الأكاديمية أو
العلمية التي تحققت من عمل الطلاب بشكل مشترك في مجموعات، ورأت أنه «إذا لم
يشترك المتعلمون في تعليمهم، فإنهم لا يتعلمون».
وقد
لاحظت جيمس أن المعلمين يحبون أن يتلقوا توجيهات عملية حول كيفية تحسين
تدريسهم، لكنهم في حاجة حقيقية لأن يطوروا حكمهم على ما يصلح وما لا يصلح
في تدريسهم.
لكن
هذا التأكيد على مشاركة الطلاب والتدريس القائم على التأمل الذاتي قد
يزعج، بل ويرعب أولئك المؤيدين للمنهج التقليدي القائم على أساس الانضباط
والتقييم حسب موضوعات الدراسة. لكن هؤلاء يتناسون أن انعدام ثقة السياسيين
في التعلم المرتكز على تفاعل واهتمام الطفل كان السبب في اعتماد المنهج
الدراسي الوطني، الذي صاحبه نظام الاختبارات ليقيد المعلمين في إطار من
المعرفة المحددة، لكن عجلة التغيير يجب أن تدور، ولذلك بدأت المناهج
الجديدة، التي تستهدف الطلاب في الفئة العمرية من 11-14 سنة، تركز بشدة على
إبداع المعلم والتكيف المحلي مع احتياجات الطلاب.
والسؤال الكبير الآن هو:
بعد
20 عامًا من إخبارنا بما ندرّس وكيف ندرّسه، هل هناك ما يكفي من المعلمين
المستعدين لأن يكونوا مبدعين؟ وبعد هذه السنوات الطويلة أيضًا من التفاصيل
حول كيفية التدريس، هل سيشعر المعلمون أنهم مستعدون لابتداع طرقهم الخاصة
في التدريس وإشراك الطلاب في العملية التعليمية، بل وتقييم وتعديل أساليب
تدريسهم بشكل مستمر؟
وختامًا، يجب أن نقول إنه على الرغم من أن أحدًا لم يذكر صراحة أن «المعلم الجيد» يجب أن يحب أطفاله أو طلابه،
إلا
أن هذا المعنى كان متضمنًا في كل تعريفاتهم. ومع ذلك، فإن البروفيسور
ديبرا مايهيل يرى «أن المعلم الذي يكره الأطفال قد يكون جيدًا في إدارة
الفصل، لكنه لن يكون على الأرجح جيدًا في التشجيع على التعلم».
مواضيع ومقالات مشابهة