المساجد في المغرب نموذج للعمارة الإسلامية
منذ أن تقلد الملك محمد السادس مقاليد الحكم بالمملكة المغربية عمل جاهدا
على الرقي بمستوى الخدمات الدينية فتحققت بتوفيق من الله منجزات عظيمة وأرسيت دعمات
أساسية لتشييد الصرح المؤسسي الديني وتوطيد أركانه سواء في مجال بناء بيوت الله أو
العناية بأحوال القائمين عليها أو توسيع مجال التوجيه والوعظ والإرشاد.
حيث فتحت ورش عمل كبرى في كل أنحاء المملكة لرفع مآذن وبيوت يعمرها عباد الرحمن، وتم الشروع في تنفيذ برنامج على صفة الاستعجال لبناء مساجد بالأحياء العشوائية بكبرى المدن المفتقرة إلى مساجد لأداء الشعائر الدينية.
كما تم اعتماد معايير هندسية جديدة لضمان التوزيع الملائم والمنسجم للمساجد مع حاجات السكان المتزايدة للمسجد نتيجة التوسع العمراني الذي يشهده المغرب وظهور مراكز حضرية جديدة.
مدخل للمساجد المغربية عبر التاريخ
عرف جامع القرويين بفاس بكونه «المسجد الأم للمدينة»، حيث كانت الحياة اليومية بالحاضرة الإدريسية تنتظم على إيقاع أذان مؤذن الجامع الإدريسي، وعلى الإشارة الضوئية التي كانت تنبعث من مئذنته بعد غروب الشمس، ولايزال «فاس البالي» (أي المدينة القديمة) يعيش على نفس الإيقاع إلى اليوم.
الرباطات والمساجد الأولى في المغرب
في سنة 26هـ/ 646م اضطلع عقبة بن نافع بمهمة فتح بلاد المغرب ونشر الإسلام فيها، وسرعان ما نهضت رباطات ماسة وشاكر ونفيس، لنصرة الإسلام ونشر تعاليمه.
وبما أن مسجد ماسة تحول إلى رباط طبقت شهرته الآفاق منذ ذلك الحين، فقد أصبح معقلا للدفاع عن الإسلام ونشره في المغرب، حيث شكل المسجد قطب الرحى في رباط ماسة.
واستنادا لما ورد في كتاب «القبلة» لأبي علي صالح المصمودي فإن «أقدم مسجد في المغرب بني فوق مصلى قديم سنة 80هـ/ 699 - 700م بأغمات أيلان.
مساجد الفترة الإدريسية والمكانة الخاصة لمدينة فاس
لقد حافظ كل من جامع القرويين وتوأمه جامع الأندلس- اللذين يعودان إلى القرن التاسع للميلاد- على بعض من مكوناتهما الأصيلة سليمة تكاد تطابق هيئتها الأولى (جانب من أسندة وأقواس قاعة الصلاة)، وقد بنى هذين الصرحين التوأمين (جامع القرويين وجامع الأندلس) - كما هو معروف - الأختان المحسنتان فاطمة ومريم الفهري، وذلك في نفس السنة 245هـ/ 860 - 859م، لذلك جاء الجامعان متشابهين تماما في بنيتهما الأصلية.
وتعتبر مئذنتا الجامعين اللتان تعودان إلى القرن العاشر للميلاد تحفتين فريدتين من حيث التصميم، فهما تعكسان أهمية التقاليد المحلية والخصوصيات والتأثيرات الخارجية لقرطبة وأفريقية الواضحة في المعالم الهندسية المعمارية الدينية الأولى.
المساجد في عصر المرابطين
تغير وجه الغرب الإسلامي بمجيء المرابطين، حيث نجح المرابطون في المغرب أولا ثم بعده في الأندلس، في توحيد ضفتي المتوسط ابتداء من عام 1090م، وبهذا التوحيد تعمقت الروابط المختلفة بين المنطقتين، وبدأت الحضارة الأندلسية المغربية تبرز وتتعمق شيئا فشيئا.
وكان من أجل سمات هذه الحضارة أنها مزجت بين العناصر الأمازيغية والعناصر الأندلسية مزجا خلاقا ومنسجما، ومن المؤكد كذلك أن مجيء المرابطين قد وطد المذهب المالكي بالغرب الإسلامي تحت تأثير علماء القيروان وقرطبة.
المساجد في عصر الموحدين
أقام الموحدون أكبر إمبراطورية بالغرب الإسلامي تحت راية سلطة سياسية ودينية واحدة، حيث ركزت الوحدة السياسية للمغرب الإسلامي تحت الحكم الموحدي على الوحدة الفنية الحقيقية في هذا الفضاء من العالم الإسلامي، وكان الموحدون يشجعون الإبداع في كل الميادين، حيث بلغت الفلسفة والطب والفلك في عهدهم وتحت رعايتهم أوجها، والعلماء أمثال ابن طفيل وابن رشد وابن زهر، هم الذين رفعوا عاليا ثقافة الغرب الإسلامي، وقد ترك الإرث الموحدي في السياسية والعمارة آثاره طويلة على مجتمعات المنطقة عامة، وعلى المغرب بصفة خاصة.
وتتميز تصميمات المساجد الموحدية بانتظامها كلها وضخامتها العمرانية، كما تتميز بالتشبث بمبدأ التناظر، سواء في قاعات الصلاة أو في الصحون.
مسجد حسان
يعد مسجد حسان من أهم الإنجازات الموحدية الضخمة بالرباط، وهو المسجد الذي بناه الخليفة أبو يوسف يعقوب المنصور سنة 593هـ/ 1196م، معتمدا في تشييده على تصميم منتظم يثير الدهشة بأبعاده المتناسقة والمتقنة.
وهذا المسجد هو أكبر مسجد في الغرب الإسلامي، حيث بلغت مساحة مسجد حسان 25551 مترا مربعا تقريبا، وجاءت على شكل مضلع رباعي طوله 185 مترا وعرضه 140 مترا، يحيط به سور من تراب مدكوك أقيمت عليه أبراج ذات مظهر عسكري.
مساجد المرينيين
تميز العهد المريني بالبناء الذي يقوم على مسجد مستطيل عمقه أكبر من عرضه، وقاعة للصلاة، تنقسم إلى بلاطات متعامدة مع جدار القبلة، ويتجلى ذلك في توسيع المسجد الكبير لمدينة تازة (691هـ/ 1291م)، مسجد العباد (739هـ/ 1339م)، والمسجد الكبير بالرباط، ومسجد الحمراء بفاس.
فالمسجد المريني يستوحي تصميمه من النماذج الموحدية، كما يبدو ذلك في مساجد القصبة والكتبية في مراكش، ومسجد تنمل والمسجد الكبير بتازة.
المرحلة السعدية.. برنامج خلاق يتجلى في المجمعات الدينية
تتجلى الميزة الكبرى للأثر السعدي، فيما يتعلق بالمعمار الديني، في تصورهم للمجموعات العمرانية التي هي مجمعات حقيقية، يحتل فيها المسجد الكبير عنصر الهامش والمركز في نفس الوقت، وتقوم حول النواة التي يشكلها المسجد مآثر لها وظائف مختلفة وتكميلية في نفس الوقت: هناك مسكن الإمام، ومصغر المنبر، والمكتبة، والمدرسة، وقاعة الوضوء، والحمام الشعبي، وسقاية الشرب، ولعل في كل من مجمع المواسين ومجمع باب دكال، خير مثال.
حركة بناء المساجد في العهد العلوي الأول
تميز العهد العلوي المبكر- والذي يمتد من حكم المولى محمد (1635م - 1664م) إلى عهد السلطان المولى سليمان سنة 1822م- بحركة معمارية مهمة نجدها في أهم المدن المغربية، وقد أولى السلاطين العلويون المساجد الاهتمام البالغ والعناية الخاصة.
وقد سجل قرابة خمسة وأربعين مسجدا وجامعا ضمن لائحة مآثر السلطان محمد بن عبدالله.
وأهم ما يتميز به في عهد سيدي محمد بن عبدالله في عمارة المساجد ما يلي:
٭ ساحات مكشوفة وواسعة تنعدم فيها الأروقة الجانبية وغالبا ما تشكل امتداد البيوت للصلاة.
٭ بيوتا للصلاة مقسمة عن طريق بلاطات موازية لجدار القبلة تتراوح أعدادها بين ثلاث وأربع بلاطات.
٭ قاعات تعليمية مطلة على بيوت الطلبة على الساحة المكشوفة.
واتخذت صحون الجوامع المشيدة في عهد سيدي محمد بن عبدالله أشكالا وأبعادا مغايرة، فشكلت بذلك صحونا شاسعة من غير أروقة جانبية، وهي ميزة خاصة انفردت بها جوامع هذا السلطان، وتعتبر جوامع مكناس والرباط أمثلة واضحة لذلك، حيث استخدمت فيها عناصر معمارية وزخرفية استلهمت من مرجعيات متنوعة مهدت لمدرسة مغربية محلية، برزت أسسها في أواخر القرن التاسع عشر وخلال القرن العشرين.
المساجد العلوية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين
تصنف المساجد العلوية التي تم تأسيسها بدءا من الربع الثاني للقرن التاسع عشر، ضمن فئتين اثنتين ترمزان إلى مرحلتين مختلفتين كليا.
حيث تمتد المرحلة الأولى في الفترة ما بين القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وقد تميزت باستعمال مواد البناء التقليدية (آجر تقليدي، تقنية اللوح المكون من التراب والجير... إلخ).
أما المرحلة الثانية التي تبتدئ من ثلاثينيات القرن الماضي وإلى يومنا هذا، فقد استحدثت بتقنيات ومواد بناء حديثة، كالإسمنت المسلح والحديد... إلخ.
وقد عرفت الهندسة المعمارية الدينية على عهد الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه ازدهارا كبيرا تمثل في تشييد وترميم عدد مهم من بيوت العبادة يمكن اعتبار بعض منها تحفا فنية على المستوى العالمي، مثلما هو الشأن بالنسبة لمسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء.
العهد المحمدي
تميزت عمارة المساجد في عهد الملك محمد السادس بعناية ملموسة مركزة شملت ثلاثة محاور كبرى هي الاهتمام بالمساجد وتطوير الممارسة الدينية وتعزيز التعليم والتدريب فقد حظي المسجد بعناية ملكية فائقة من أجل أن يؤدي دوره في نشر مبادئ الإسلام، وعلى مستوى هندسة المساجد فقد توالى التجديد لفن مغربي عريق ترسخ على مدى قرون، وعزز تقليدا أصبح مدرسة متميزة للهندسة المعمارية كما تم الاعتناء بالمباني القديمة من حيث الصيانة والترميم والمحافظة على المعالم الأصلية.
مساجد القرب
أدركت المفاهيم الجديدة كمفهوم القرب مجال بناء المساجد، ومع توسع عمران المدن أصبح من حق كل مؤمن مغربي أن يجد مكانا للصلاة قريبا من مسكنه ومقر عمله، وقد كان هذا التوجه وراءه القرار الملكي القاضي بمضاعفة الجهود لبناء المساجد في مختلف الأحياء السكنية دون إهمال المباني القديمة وخصوصا المساجد التاريخية، حيث قامت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدراسة أظهرت ما يلي:
٭ مجموع المساجد في المملكة المغربية هو خمسون ألف مسجد، 28% منها بالوسط الحضري و72% منها بالوسط القروي.
٭ قدرة الاستيعاب للاحتياجات السنوية من المساجد التي ينبغي بناؤها لتلبية الاحتياج الحالي بـ 70 مسجدا جديدا كل عام وعلى مدى عشر سنوات.
هذا وقد أثمرت الأوامر الملكية، بخصوص بناء المساجد دورا حيويا في ميدان المعمار الديني وابتكارا يحفظ الخصوصيات الأصلية لذلك المعمار، وذلك موازاة للنمو الاقتصادي والتطور الاجتماعي اللذين عرفهما المغرب في العهد المحمدي، واللذان يحملان معا بصمات راسخة للملك محمد السادس، واللذان شملا أيضا تشييد المساجد، وقد شكل ذلك فرصة متجددة للمهندسين والمعماريين المغاربة لتوظيف معارفهم وخبراتهم بفنون البناء الأصيل، وإعمال قدراتهم الإبداعية لإنجاز أعمال هندسية رائعة توازن بين الأصالة والحداثة.
وما فتئ جلالة الملك محمد السادس يتولى مقاليد الحكم حتى حرص حرصا خاصا على صيانة الطابع المغربي الأصيل في بناء المسجد، ويؤكد هذا الحرص كلما وضع حجر أساس واطلع على تصميمات مسجد، ويتعدى اهتمامه في ذلك الطابع إلى رعاية الألوان المحلية الخاصة بكل مدينة.
إن المساجد التي بنيت خلال العشرية الأولى من حكم الملك محمد السادس عديدة ومتنوعة، سواء في الوسط الحضري أو الوسط القروي، ولمقاربة بعض العناصر المميزة لها، فإننا نذكر منها ما يلي: مسجد محمد السادس بالمضيق، ومسجد محمد السادس بالحسيمة، ومسجد محمد السادس بتطوان، ومسجد للا أسماء بالرباط، ومسجد الداخلة.
حيث تشترك هذه المساجد المختلفة ومثيلاتها في بعض التفاصيل وتختلف في بعضها الآخر، إذ تظهر عناصر التشابه واضحة على مستوى مواد البناء وكيفية استعمالها، والزخرفة، في حين أن عناصر الاختلاف تلاحظ على مستوى المساحات المغطاة، وكذا في عدد الملحقات التابعة لها، أو على مستوى البلاطات والأقواس الهيكلية للفضاء الداخلي لقاعات الصلاة.
1 - مسجد محمد السادس بمدينة المضيق: يعتبر مسجد محمد السادس بمدينة المضيق معلما يعطي نموذجا يعكس الطراز المعماري المغربي الأصيل في عمارة المساجد، ويراعي خصوصية وألوان البناء المحلي الذي يزيدها بهاء وجمالا.
2 - مسجد محمد السادس بمدية تطوان: تم افتتاحه يوم الجمعة 25 /11 /2008، وقد روعي في بناء مئذنته الطراز المعماري لمآذن المدينة التي تعتبر في عداد الآثار.
3 - مسجد أهل فاس بمدينة الرباط: يعتبر مسجد أهل فاس بالمشور السعيد بمدينة الرباط من مآثر السلطان سيدي محمد بن عبدالله، وقد جدده على التوالي كل من سيدي محمد بن عبدالرحمن والمولى يوسف والسلطان محمد الخامس والملك الحسن الثاني والملك محمد السادس، وهو جامع الخطبة الملكية قصده ويقصده الشعب المغربي للتملي بطلعة الملوك العلويين.
4 - مسجد القصبة للاعودة بمدينة مكناس: أسس من قبل يعقوب بن عبدالحق المريني عام 674هجرية، وعندما اعتلى المولى إسماعيل الحكم أعاد بناء مسجد للا عودة من جديد ما بين عام 1082 /1088هجري 1672 /1678 ميلادي، وكان أول مسجد كبير شيده المولى إسماعيل في عاصمته.
5 - مسجد ابن يوسف بمدينة مراكش: بني مسجد ابن يوسف بمراكش على يد علي بن يوسف اللمتوني عام 525هـ بمساحة 500م2 وأعاد بناءه المولى سليمان عام 1235هـ 1820م.
6 - مسجد بن يوسف بمدينة الصويرة: يعتبر جامع سيدي يوسف أكبر جامع في مدينة الصويرة وتم بناؤه عام 1187هـ سنة 1774م.
7 - المسجد الأعظم بطنجة: يعتبر المسجد الأعظم بطنجة معلما دينيا بناه المولى إسماعيل عام 1095هـ، وجدد بناءه السلطان مولاي سليمان 1233هـ سنة 1817م.
وأدى فيها المغفور له السلطان محمد الخامس صلاة الجمعة سنة 1947م، وفي عام 2001م أمر الملك محمد السادس بإصلاحه وترميمه وتم افتتاحه بعد الترميم عام 2003م.
8 - جامع المواسين بمدينة مراكش: بني جامع المواسين من طرف السلطان مولاي عبدالله الغالب السعدي ما بين 970 /980 هـ 1562 /1573م، حيث يتألف من سبع بلاطات عمودية تفضي إلى بلاطة موازية لجدار القبلة تزينها أقواس فريدة في شكلها.
9 - مسجد الأندلس بفاس: يعود بناء مسجد الأندلس إلى الدولة الإدريسية، وقد شيدته مريم الفهرية عام 246 هـ/ 860م.
10- جامع القرويين بفاس: جامع القرويين هو الجامع الوحيد في العالم الذي يتوفر على واحد من أثرى وأقدم المنابر، والذي عملت فيه أيدي الفنانين المغاربة، فالمنبر من عهد المرابطين، وقد صنع عام 538هـ/ 1144م، يحتوي هذا المنبر على تسع درجات، وقد زينت جوانبه برسوم هندسية في غاية الدقة والروعة، وكل قطعة تختلف عن الأخرى في زخرفتها.
11- جامع السنة: يعد جامع السنة معلما تاريخيا دينيا، وهو أحد المساجد التي بناها السلطان سيدي محمد بن عبدالله عام 1199هـ/ 1785م، ويعد كذلك من أكبر المساجد في المغرب، ولا يفوقه في الضخامة سوى جامع حسان وجامع القرويين، وتم تجديده في عهد المغفور له الملك الحسن الثاني رحمه الله عام 1969م.
حيث فتحت ورش عمل كبرى في كل أنحاء المملكة لرفع مآذن وبيوت يعمرها عباد الرحمن، وتم الشروع في تنفيذ برنامج على صفة الاستعجال لبناء مساجد بالأحياء العشوائية بكبرى المدن المفتقرة إلى مساجد لأداء الشعائر الدينية.
كما تم اعتماد معايير هندسية جديدة لضمان التوزيع الملائم والمنسجم للمساجد مع حاجات السكان المتزايدة للمسجد نتيجة التوسع العمراني الذي يشهده المغرب وظهور مراكز حضرية جديدة.
مدخل للمساجد المغربية عبر التاريخ
عرف جامع القرويين بفاس بكونه «المسجد الأم للمدينة»، حيث كانت الحياة اليومية بالحاضرة الإدريسية تنتظم على إيقاع أذان مؤذن الجامع الإدريسي، وعلى الإشارة الضوئية التي كانت تنبعث من مئذنته بعد غروب الشمس، ولايزال «فاس البالي» (أي المدينة القديمة) يعيش على نفس الإيقاع إلى اليوم.
الرباطات والمساجد الأولى في المغرب
في سنة 26هـ/ 646م اضطلع عقبة بن نافع بمهمة فتح بلاد المغرب ونشر الإسلام فيها، وسرعان ما نهضت رباطات ماسة وشاكر ونفيس، لنصرة الإسلام ونشر تعاليمه.
وبما أن مسجد ماسة تحول إلى رباط طبقت شهرته الآفاق منذ ذلك الحين، فقد أصبح معقلا للدفاع عن الإسلام ونشره في المغرب، حيث شكل المسجد قطب الرحى في رباط ماسة.
واستنادا لما ورد في كتاب «القبلة» لأبي علي صالح المصمودي فإن «أقدم مسجد في المغرب بني فوق مصلى قديم سنة 80هـ/ 699 - 700م بأغمات أيلان.
مساجد الفترة الإدريسية والمكانة الخاصة لمدينة فاس
لقد حافظ كل من جامع القرويين وتوأمه جامع الأندلس- اللذين يعودان إلى القرن التاسع للميلاد- على بعض من مكوناتهما الأصيلة سليمة تكاد تطابق هيئتها الأولى (جانب من أسندة وأقواس قاعة الصلاة)، وقد بنى هذين الصرحين التوأمين (جامع القرويين وجامع الأندلس) - كما هو معروف - الأختان المحسنتان فاطمة ومريم الفهري، وذلك في نفس السنة 245هـ/ 860 - 859م، لذلك جاء الجامعان متشابهين تماما في بنيتهما الأصلية.
وتعتبر مئذنتا الجامعين اللتان تعودان إلى القرن العاشر للميلاد تحفتين فريدتين من حيث التصميم، فهما تعكسان أهمية التقاليد المحلية والخصوصيات والتأثيرات الخارجية لقرطبة وأفريقية الواضحة في المعالم الهندسية المعمارية الدينية الأولى.
المساجد في عصر المرابطين
تغير وجه الغرب الإسلامي بمجيء المرابطين، حيث نجح المرابطون في المغرب أولا ثم بعده في الأندلس، في توحيد ضفتي المتوسط ابتداء من عام 1090م، وبهذا التوحيد تعمقت الروابط المختلفة بين المنطقتين، وبدأت الحضارة الأندلسية المغربية تبرز وتتعمق شيئا فشيئا.
وكان من أجل سمات هذه الحضارة أنها مزجت بين العناصر الأمازيغية والعناصر الأندلسية مزجا خلاقا ومنسجما، ومن المؤكد كذلك أن مجيء المرابطين قد وطد المذهب المالكي بالغرب الإسلامي تحت تأثير علماء القيروان وقرطبة.
المساجد في عصر الموحدين
أقام الموحدون أكبر إمبراطورية بالغرب الإسلامي تحت راية سلطة سياسية ودينية واحدة، حيث ركزت الوحدة السياسية للمغرب الإسلامي تحت الحكم الموحدي على الوحدة الفنية الحقيقية في هذا الفضاء من العالم الإسلامي، وكان الموحدون يشجعون الإبداع في كل الميادين، حيث بلغت الفلسفة والطب والفلك في عهدهم وتحت رعايتهم أوجها، والعلماء أمثال ابن طفيل وابن رشد وابن زهر، هم الذين رفعوا عاليا ثقافة الغرب الإسلامي، وقد ترك الإرث الموحدي في السياسية والعمارة آثاره طويلة على مجتمعات المنطقة عامة، وعلى المغرب بصفة خاصة.
وتتميز تصميمات المساجد الموحدية بانتظامها كلها وضخامتها العمرانية، كما تتميز بالتشبث بمبدأ التناظر، سواء في قاعات الصلاة أو في الصحون.
مسجد حسان
يعد مسجد حسان من أهم الإنجازات الموحدية الضخمة بالرباط، وهو المسجد الذي بناه الخليفة أبو يوسف يعقوب المنصور سنة 593هـ/ 1196م، معتمدا في تشييده على تصميم منتظم يثير الدهشة بأبعاده المتناسقة والمتقنة.
وهذا المسجد هو أكبر مسجد في الغرب الإسلامي، حيث بلغت مساحة مسجد حسان 25551 مترا مربعا تقريبا، وجاءت على شكل مضلع رباعي طوله 185 مترا وعرضه 140 مترا، يحيط به سور من تراب مدكوك أقيمت عليه أبراج ذات مظهر عسكري.
مساجد المرينيين
تميز العهد المريني بالبناء الذي يقوم على مسجد مستطيل عمقه أكبر من عرضه، وقاعة للصلاة، تنقسم إلى بلاطات متعامدة مع جدار القبلة، ويتجلى ذلك في توسيع المسجد الكبير لمدينة تازة (691هـ/ 1291م)، مسجد العباد (739هـ/ 1339م)، والمسجد الكبير بالرباط، ومسجد الحمراء بفاس.
فالمسجد المريني يستوحي تصميمه من النماذج الموحدية، كما يبدو ذلك في مساجد القصبة والكتبية في مراكش، ومسجد تنمل والمسجد الكبير بتازة.
المرحلة السعدية.. برنامج خلاق يتجلى في المجمعات الدينية
تتجلى الميزة الكبرى للأثر السعدي، فيما يتعلق بالمعمار الديني، في تصورهم للمجموعات العمرانية التي هي مجمعات حقيقية، يحتل فيها المسجد الكبير عنصر الهامش والمركز في نفس الوقت، وتقوم حول النواة التي يشكلها المسجد مآثر لها وظائف مختلفة وتكميلية في نفس الوقت: هناك مسكن الإمام، ومصغر المنبر، والمكتبة، والمدرسة، وقاعة الوضوء، والحمام الشعبي، وسقاية الشرب، ولعل في كل من مجمع المواسين ومجمع باب دكال، خير مثال.
حركة بناء المساجد في العهد العلوي الأول
تميز العهد العلوي المبكر- والذي يمتد من حكم المولى محمد (1635م - 1664م) إلى عهد السلطان المولى سليمان سنة 1822م- بحركة معمارية مهمة نجدها في أهم المدن المغربية، وقد أولى السلاطين العلويون المساجد الاهتمام البالغ والعناية الخاصة.
وقد سجل قرابة خمسة وأربعين مسجدا وجامعا ضمن لائحة مآثر السلطان محمد بن عبدالله.
وأهم ما يتميز به في عهد سيدي محمد بن عبدالله في عمارة المساجد ما يلي:
٭ ساحات مكشوفة وواسعة تنعدم فيها الأروقة الجانبية وغالبا ما تشكل امتداد البيوت للصلاة.
٭ بيوتا للصلاة مقسمة عن طريق بلاطات موازية لجدار القبلة تتراوح أعدادها بين ثلاث وأربع بلاطات.
٭ قاعات تعليمية مطلة على بيوت الطلبة على الساحة المكشوفة.
واتخذت صحون الجوامع المشيدة في عهد سيدي محمد بن عبدالله أشكالا وأبعادا مغايرة، فشكلت بذلك صحونا شاسعة من غير أروقة جانبية، وهي ميزة خاصة انفردت بها جوامع هذا السلطان، وتعتبر جوامع مكناس والرباط أمثلة واضحة لذلك، حيث استخدمت فيها عناصر معمارية وزخرفية استلهمت من مرجعيات متنوعة مهدت لمدرسة مغربية محلية، برزت أسسها في أواخر القرن التاسع عشر وخلال القرن العشرين.
المساجد العلوية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين
تصنف المساجد العلوية التي تم تأسيسها بدءا من الربع الثاني للقرن التاسع عشر، ضمن فئتين اثنتين ترمزان إلى مرحلتين مختلفتين كليا.
حيث تمتد المرحلة الأولى في الفترة ما بين القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وقد تميزت باستعمال مواد البناء التقليدية (آجر تقليدي، تقنية اللوح المكون من التراب والجير... إلخ).
أما المرحلة الثانية التي تبتدئ من ثلاثينيات القرن الماضي وإلى يومنا هذا، فقد استحدثت بتقنيات ومواد بناء حديثة، كالإسمنت المسلح والحديد... إلخ.
وقد عرفت الهندسة المعمارية الدينية على عهد الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه ازدهارا كبيرا تمثل في تشييد وترميم عدد مهم من بيوت العبادة يمكن اعتبار بعض منها تحفا فنية على المستوى العالمي، مثلما هو الشأن بالنسبة لمسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء.
العهد المحمدي
تميزت عمارة المساجد في عهد الملك محمد السادس بعناية ملموسة مركزة شملت ثلاثة محاور كبرى هي الاهتمام بالمساجد وتطوير الممارسة الدينية وتعزيز التعليم والتدريب فقد حظي المسجد بعناية ملكية فائقة من أجل أن يؤدي دوره في نشر مبادئ الإسلام، وعلى مستوى هندسة المساجد فقد توالى التجديد لفن مغربي عريق ترسخ على مدى قرون، وعزز تقليدا أصبح مدرسة متميزة للهندسة المعمارية كما تم الاعتناء بالمباني القديمة من حيث الصيانة والترميم والمحافظة على المعالم الأصلية.
مساجد القرب
أدركت المفاهيم الجديدة كمفهوم القرب مجال بناء المساجد، ومع توسع عمران المدن أصبح من حق كل مؤمن مغربي أن يجد مكانا للصلاة قريبا من مسكنه ومقر عمله، وقد كان هذا التوجه وراءه القرار الملكي القاضي بمضاعفة الجهود لبناء المساجد في مختلف الأحياء السكنية دون إهمال المباني القديمة وخصوصا المساجد التاريخية، حيث قامت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدراسة أظهرت ما يلي:
٭ مجموع المساجد في المملكة المغربية هو خمسون ألف مسجد، 28% منها بالوسط الحضري و72% منها بالوسط القروي.
٭ قدرة الاستيعاب للاحتياجات السنوية من المساجد التي ينبغي بناؤها لتلبية الاحتياج الحالي بـ 70 مسجدا جديدا كل عام وعلى مدى عشر سنوات.
هذا وقد أثمرت الأوامر الملكية، بخصوص بناء المساجد دورا حيويا في ميدان المعمار الديني وابتكارا يحفظ الخصوصيات الأصلية لذلك المعمار، وذلك موازاة للنمو الاقتصادي والتطور الاجتماعي اللذين عرفهما المغرب في العهد المحمدي، واللذان يحملان معا بصمات راسخة للملك محمد السادس، واللذان شملا أيضا تشييد المساجد، وقد شكل ذلك فرصة متجددة للمهندسين والمعماريين المغاربة لتوظيف معارفهم وخبراتهم بفنون البناء الأصيل، وإعمال قدراتهم الإبداعية لإنجاز أعمال هندسية رائعة توازن بين الأصالة والحداثة.
وما فتئ جلالة الملك محمد السادس يتولى مقاليد الحكم حتى حرص حرصا خاصا على صيانة الطابع المغربي الأصيل في بناء المسجد، ويؤكد هذا الحرص كلما وضع حجر أساس واطلع على تصميمات مسجد، ويتعدى اهتمامه في ذلك الطابع إلى رعاية الألوان المحلية الخاصة بكل مدينة.
إن المساجد التي بنيت خلال العشرية الأولى من حكم الملك محمد السادس عديدة ومتنوعة، سواء في الوسط الحضري أو الوسط القروي، ولمقاربة بعض العناصر المميزة لها، فإننا نذكر منها ما يلي: مسجد محمد السادس بالمضيق، ومسجد محمد السادس بالحسيمة، ومسجد محمد السادس بتطوان، ومسجد للا أسماء بالرباط، ومسجد الداخلة.
حيث تشترك هذه المساجد المختلفة ومثيلاتها في بعض التفاصيل وتختلف في بعضها الآخر، إذ تظهر عناصر التشابه واضحة على مستوى مواد البناء وكيفية استعمالها، والزخرفة، في حين أن عناصر الاختلاف تلاحظ على مستوى المساحات المغطاة، وكذا في عدد الملحقات التابعة لها، أو على مستوى البلاطات والأقواس الهيكلية للفضاء الداخلي لقاعات الصلاة.
1 - مسجد محمد السادس بمدينة المضيق: يعتبر مسجد محمد السادس بمدينة المضيق معلما يعطي نموذجا يعكس الطراز المعماري المغربي الأصيل في عمارة المساجد، ويراعي خصوصية وألوان البناء المحلي الذي يزيدها بهاء وجمالا.
2 - مسجد محمد السادس بمدية تطوان: تم افتتاحه يوم الجمعة 25 /11 /2008، وقد روعي في بناء مئذنته الطراز المعماري لمآذن المدينة التي تعتبر في عداد الآثار.
3 - مسجد أهل فاس بمدينة الرباط: يعتبر مسجد أهل فاس بالمشور السعيد بمدينة الرباط من مآثر السلطان سيدي محمد بن عبدالله، وقد جدده على التوالي كل من سيدي محمد بن عبدالرحمن والمولى يوسف والسلطان محمد الخامس والملك الحسن الثاني والملك محمد السادس، وهو جامع الخطبة الملكية قصده ويقصده الشعب المغربي للتملي بطلعة الملوك العلويين.
4 - مسجد القصبة للاعودة بمدينة مكناس: أسس من قبل يعقوب بن عبدالحق المريني عام 674هجرية، وعندما اعتلى المولى إسماعيل الحكم أعاد بناء مسجد للا عودة من جديد ما بين عام 1082 /1088هجري 1672 /1678 ميلادي، وكان أول مسجد كبير شيده المولى إسماعيل في عاصمته.
5 - مسجد ابن يوسف بمدينة مراكش: بني مسجد ابن يوسف بمراكش على يد علي بن يوسف اللمتوني عام 525هـ بمساحة 500م2 وأعاد بناءه المولى سليمان عام 1235هـ 1820م.
6 - مسجد بن يوسف بمدينة الصويرة: يعتبر جامع سيدي يوسف أكبر جامع في مدينة الصويرة وتم بناؤه عام 1187هـ سنة 1774م.
7 - المسجد الأعظم بطنجة: يعتبر المسجد الأعظم بطنجة معلما دينيا بناه المولى إسماعيل عام 1095هـ، وجدد بناءه السلطان مولاي سليمان 1233هـ سنة 1817م.
وأدى فيها المغفور له السلطان محمد الخامس صلاة الجمعة سنة 1947م، وفي عام 2001م أمر الملك محمد السادس بإصلاحه وترميمه وتم افتتاحه بعد الترميم عام 2003م.
8 - جامع المواسين بمدينة مراكش: بني جامع المواسين من طرف السلطان مولاي عبدالله الغالب السعدي ما بين 970 /980 هـ 1562 /1573م، حيث يتألف من سبع بلاطات عمودية تفضي إلى بلاطة موازية لجدار القبلة تزينها أقواس فريدة في شكلها.
9 - مسجد الأندلس بفاس: يعود بناء مسجد الأندلس إلى الدولة الإدريسية، وقد شيدته مريم الفهرية عام 246 هـ/ 860م.
10- جامع القرويين بفاس: جامع القرويين هو الجامع الوحيد في العالم الذي يتوفر على واحد من أثرى وأقدم المنابر، والذي عملت فيه أيدي الفنانين المغاربة، فالمنبر من عهد المرابطين، وقد صنع عام 538هـ/ 1144م، يحتوي هذا المنبر على تسع درجات، وقد زينت جوانبه برسوم هندسية في غاية الدقة والروعة، وكل قطعة تختلف عن الأخرى في زخرفتها.
11- جامع السنة: يعد جامع السنة معلما تاريخيا دينيا، وهو أحد المساجد التي بناها السلطان سيدي محمد بن عبدالله عام 1199هـ/ 1785م، ويعد كذلك من أكبر المساجد في المغرب، ولا يفوقه في الضخامة سوى جامع حسان وجامع القرويين، وتم تجديده في عهد المغفور له الملك الحسن الثاني رحمه الله عام 1969م.
مواضيع ومقالات مشابهة