إشكالية الانتقال بالعتبة الى المستوى الدراسي الأعلى
مع
اقتراب نهاية كل موسم دراسي يتم تداول مصطلحات ومفاهيم خاصة بهذه المرحلة
الدراسية، من بينها نجد مصطلح : العتبة. هذه العتبة التي تشكل موضوع نقاش
بين كل من له علاقة بالشأن التربوي، حيث نجد من يرفض الاعتماد عليها في
الانتقال الى المستوى الدراسي الاعلى ونجد في الان ذاته من يقبل بالعمل
بها ، ولكل منهما مبرراته.
فهل فعلا الاعتماد على العتبة في الانتقال الى المستوى الدراسي الاعلى مقبول ام مرفوض تربويا ، ولماذا؟
متى يتم اللجوء الى الاعتماد على العتبة ؟ وما هي عواقب ذلك على المستوى والمستقبل الدراسي للتلميذ وعلى المنظومة التربوية؟
وما علاقة هذه العتبة بالتقويم التربوي و بالبرامج والمناهج و بالفروض والامتحانات والاطر المرجعية والتصحيح ومستوى التلاميذ...؟
وهل ما جاء في التدابير ذات الاولوية سيحد من هذا الاشكال؟ ...
قبل البدء في الاجابة على هذه الاسئلة ، لابد من اعطاء تعريف بسيط لهذه العتبة التي نتحدث عنها.
يمكن تعريف العتبة كما يلي : هي
معدل اقل من 10 من 20 ، او من 5 من 10، متوافق عليه ، يتم اعتماده في
انتقال " نجاح" التلاميذ للوصول الى النسبة المطلوبة لتغطية عدد المقاعد
الشاغرة في المستوى الدراسي الاعلى . ( هنالك كذلك العتبة المعتمدة لتحديد
عدد المترشحين لاجتياز مباراة ما ،والتي ليست لها اي علاقة بعتبة النجاح
هذه ).
كما يعلم الجميع ، فالانتقال
الى القسم الاعلى يتطلب الحصول على الحد الادنى من المعارف الاساسية
الضرورية التي ستمكن التلميذ من متابعة دراسته بدون مشاكل ، يعني انه يجب
على التلميذ ان يحصل على الاقل على معدل عام لا يقل على 10 من 20 او 5 من
10.
انطلاقا من هذه الوضعية ، يمكن
الا نحصل على العدد الكافي من التلاميذ الناجحين مما سيجعل بعض مجالس
الاقسام تضطر الى النزول على المعدل و تبني العمل بالعتبة المتفق عليها حتى
لا تبقى مقاعد شاغرة في القسم الاعلى ومما سيسبب كذلك في ارتفاع نسبة
الاكتظاظ في المستويات المطبقة لمعدل النجاح العادي .
لكن العمل بعتبة النجاح لها
عواقب على هذه الفئة من" الناجحين" الذين لم يحصلوا على المعارف الاساسية
الضرورية لمتابعة الدراسة في المستوى الاعلى مما سيؤثر سلبا على تحصيلهم
الدراسي ان لم تبرمج لهم حصص من الدعم لعلاج الثغرات المتواجدة لديهم في
مكتسباتهم الدراسية في مستوياتهم الجديدة .
زيادة على ذلك ، يطرح مشكل
اختيار شعب ومسالك التوجيه التربوي لان "الناجحين " بهذه العتبة ونقطهم
كلها متقاربة ولا تصل الى المعدل ( غياب جانبية معينة لدى التلميذ) يضع
مجلس القسم ومجلس التوجيه في حيرة اثناء توجيههم ( فهم ليسوا : لا بأدبيين
ولا بعلميين...) مما سيؤدي بالمجلس الى تلبية رغبتهم المعبر عنها في بطاقة
الرغبات ، اضطرارا .
لكن السؤال المطروح هو : هل يمكن لتلميذ" ناجح" بالعتبة ان يساير في المستوى الاعلى و في الشعبة التي رغب في التوجيه اليها؟
نحن نعلم جيدا ان اي تلميذ
"ناجح" لابد من توجيهه حسب رغبته وان وجد صعوبات في شعبته المطلوبة ووجد
نفسه غير قادر على متابعة الدراسة بها ،ما عليه الا ان يطلب بإعادة توجيهه
الى شعبة تتماشى ورغبته و"مشروعه الشخصي".
ان من يقبل العمل ب "النجاح "
بهذه العتبة يرون فيها ارتفاع نسب التدفق نحو المستويات الدراسية العليا
مما يؤدي الى تجنب ارتفاع نسب التكرار -لان هذا التكرار من عواقبه ارتفاع
التكلفة المادية لتعليم التلميذ - ولكن شريطة برمجة حصص الدعم الضرورية
لتحسين مستواه الدراسي .
هل يتم العمل بهذا؟ ام ان هذا
الضعف يتراكم سنة عن سنة (والكل يعرف ما له من عواقب على المسار الدراسي
للمتعلمين). وهل يتم استثمار تقويم المكتسبات الذي يجرى عادة في كل بداية
موسم دراسي ؟
وهل من برنامج دعم مدقق ومبني علميا يراعي الفروقات بين التلاميذ ويحدد مكامن تعثراتهم؟
وهل بنيات المؤسسات التعليمية -
وما يشهده بعضها من اكتظاظ - قادرة على برمجة حصص الدعم بكيفية مستمرة ؟
وهل من حلول عملية لإنجاز هذا الدعم ؟
ان ادراج العمل بعتبات الانتقال
بين الاسلاك التعليمية في التدابير ذات الاولوية ينم عن وعي بضرورة تحسين
مستوى التلاميذ الذين ينتقلون الى المستويات العليا بمعدلات اقل من 10/20
وهذا لن يتأتى الا ب" ارساء نظام موحد ومتكامل للدعم ومعالجة التعثرات
وصعوبات التعلم لفائدة التلاميذ الذين لا يتحكمون في التعلمات الاساسية
..."و" مصاحبة الاجراء بمخطط تواصل ومواكبة مكثفة لدعم الأجرأة بالمؤسسات
التعليمية".
وقبل" تعميم عتبة 10/20 للمرور
للسلك الموالي خلال الموسم الدراسي 2017/2018" فقد اعتبر هذا" الموسم
الدراسي 2014/2015 مرحلة اساسية للتحسيس والتواصل والاعداد وانطلاق
المشروع في صيغته التجريبية".
وكما يعلم الجميع ، فان العتبة
لها علاقة بالتقويم التربوي ، وهذا المعدل " العتبة "المعتمد عليه يكون
نتاجا عن معدل النقط المحصل عليها في مختلف تقويمات المواد.
وان اصعب شيء في العملية
التعليمية التعلمية هو التقويم .هذا التقويم الذي يجب ان يراعي خصوصيات
المواد وطريقة بناء فروضها وامتحاناتها مع العمل على اطلاع التلاميذ على
الاطر المرجعية الخاصة بكل المواد وتدريبهم على تطبيقها في حصص التمارين
والاشغال التطبيقية والدعم قبل انجاز الفروض والامتحانات، وذلك لما له من
تأثير على المعدلات العامة وعلى العتبات المطبقة احيانا وعلى ابراز
الجانبية الحقيقية للتلاميذ .
هذا التقويم الذي يجب ان يكون
مضبوطا وشاملا لكل اجزاء المقررات وذلك حسب جداول التخصيص حتى نبني
امتحانات تبين نتائجها المستوى الحقيقي للتلميذ وذات موثوقية ومصداقية.
كما انه لابد من مراعاة مبدا
تكافؤ الفرص بين جميع التلاميذ في دعمهم في المواد الدراسية وفي مكامن
تعثراتهم حتى يتبين المستوى الدراسي الحقيقي لهم.
يعتبر التخفيف من المقررات
والبرامج والمناهج الدراسية ضرورة ملحة لتمكين التلميذ من اظهار قدراته
متجنبا الضغط في التحصيل الدراسي مع توفير وقت كاف لدعمه في الرفع من
مستواه و في كل مكامن تعثره.
ان واقع التقويم التربوي يتطلب
اعادة النظر فيه وذلك ببرمجة تكوينات مستمرة في هذا المجال لكل المتدخلين
فيه لمسايرة كل مستجداته ، دون اغفال تكوينات في مجالات اخرى ، ومن اهمها
الدعم التربوي والذي بدونه لا يمكن ان نغطي النقص الحاصل عند بعض التلاميذ
في استيعاب بعض المكتسبات .
محمد بكنزيز
اطار في التوجيه التربوي
ابريل 2015
مواضيع ومقالات مشابهة