مثقفون مغاربة يبسطون أرضية تأسيسية لإنقاذ الثقافة والكتاب
في الوقت الذي تتداعى
فيه الأكلة على قصعات الأحزاب السياسية، والمناصب السامية، مع ما يوازيه من
انحسار وانسداد تام لأفق الشأن الثقافي والفكري بالمغرب، بادر مجموعة من
الكتاب والمثقفين، لتأسيس " رابطة مستقلة للكتاب " يحاولون من خلالها إعادة
الوهج للشأن الفكري، وتأثيت المشهد الثقافي بكُتَّابٍ شاءت إرادة البعض أن
تتركهم في ركن سحيق، دونما إتاحة الفرصة التنافسية لخلق مشهد ثقافي تنوعي
تنافسي. وبالرجوع إلى الأرضية المؤسسة" للرابطة المستقلة للكتاب المغاربة "
والتي توصلنا بنسخة منها، نجدها تقدم حسرة في صيغة عزاء، على مآل المشهد
الثقافي في المغرب، الذي بات يعيش " حالة استثنائية غريبة أبعدته بالجملة
عن مواكبة التحولات المتسارعة، فضلا عن التأسيس لها أو تغذية بواعثها، هذا
في الوقت الذي تشكل فيه الثقافة في التجارب المجتمعية المدخل الأساسي
والعمق الاستراتيجي".
الأرضية التأسيسية "
لرابطة الكتاب " حاولت وضع أصبعها على مكمن الخلل، معتبرة " أن أزمة
الثقافة في المغرب لم تعد تتمثل فقط في ضعف السمة العضوية فيها، وانسحاب
المثقف من دائرة الضوء والتأثير في الرأي العام والقيم المجتمعية، وإنما
صارت لها أبعاد أخرى خطيرة، تتمثل بعض تجلياتها في احتكار الفعل الثقافي،
وتغييب الطابع التعددي للتعبير الثقافي واتجاهات الرأي، ونشوء علاقات
زبونية تتغذى وتقتات من ظهر الثقافة، وتنسج علاقات انتفاعية، تبرز صورها
بشكل فج في كل المحطات الثقافية التي يعرفها المغرب، سواء كانت معارض أو
منتديات التعريف بالكتاب المغربي ".
واتهمت الأرضية
التأسيسية بعض الأطراف التي أضحت تعمل على " تبخيس " الشأن الثقافي، وبسط
هيمنتها عليه على مدى السنوات العشر الأخيرة، واستئثارها بالمواقع في
اللجان التي تستحدث لتقديم الدعم للكتاب، أو للتحكيم في الجوائز الوطنية
للكتاب، وغيرها من التظاهرات التي كان من المفترض أن تعطي صورة حقيقية
لمغرب ثقافي متعدد غني بكل فاعليه " .
تجليات هيمنة طرف واحد
في الشأن الثقافي وكذا المسابقات التأليفية عددته الأرضية التأسيسية
للرابطة والموجهة لعموم المثقفين، في الهيمنة التي قالت أنها " بلغت أسوأ
صورها في معرض الكتاب الدولي، وفي جائزة الكتاب التي اعتادت لجان التحكيم
بوزارة الثقافة أن تتوج فيها أسماء متكررة أو منحازة لإطار واحد مهيمن على
المشهد الثقافي " .
وتأسيسا على ما سبق "
فقد ارتأت مجموعة من الكتاب والمؤلفين والمثقفين المغاربة أن يعلنوا عن
مبادرة ثقافية جديدة ذات طابع مستقل عن الإطارات الحزبية، وذلك حتى تحدث
التوازن في القوة الاقتراحية، وتدفع نحو اعتماد مقاربة تشاركية ترتكز على
إعمال المبادئ والمعايير الموضوعية في تمثيل المشهد الثقافي، وتتويجه ودعمه
" يقول أصحاب هاته المبادرة، الذين أكدوا على استقلاليتهم التامة. ذات
الأرضية المقترحة، دعت بلسانٍ حزينٍ عموم المثقفين بالمغرب بالنضمام إليها
معلنة فتح " أبوابها للمؤلفين والمثقفين المبدعين الذين لم يجدوا مكانا
داخل الضيق الذي صنعته الزبونية والحسابات الحزبية وإرضاء الخواطر، والذين
يؤمنون بأن قيم ومعايير الشفافية وتكافؤ الفرص يفترض أن تبتدئ من حقل
الثقافة قبل أن تصل إلى أي حقل آخر."
وعن مستقبل التأسيس
الفعلي للرابطة، قالت الأرضية إنها " فضلت أن تبدأ بهذا النداء الذي يمثل
أرضية لائتلاف الكتاب والمثقفين، على أن تتبعها خطوات أخرى مشروطة ببلوغ
نصاب في الإنتاج الفكري للمنتظمين يسمح بتبرير تحول المبادرة إلى " هيئة
مستقلة للكتاب " تنهض لخدمة الكتاب والإبداع والإنتاج الفكري، وتدافع عن
التعدد الثقافي، من أجل اعتماد شراكة فعلية تعيد الاعتبار لقيم ومعايير
الشفافية وتكافؤ الفرص في الفعل الثقافي المغربي ". يذكر أن عالم الانتاج
الأدبي والفكري والثقافي بالمغرب، تتداخل فيه أيضاً العديد من الخيوط
السياسية، والعلاقات الشخصية، يوازيه العديد من المحاباة والمكافآت السخية،
وهو ما جعل الهيئة الأشهر " اتحاد كتاب المغرب " يدخل في موت سريري بعد
نزاعات متكررة عن مناصب القيادة، أفقده القدرة على التأطير الثقافي
والفكري، كما انفكت معه العديد من أجهزته التنظيمية، في وقت كان يعتبر فيه
بمثابة صوت قوي يحسب له ألف حساب.
عبدالحي بلكاوي - هبة بريس
مواضيع ومقالات مشابهة