المدرسة العمومية : اية منظومة تربوية لاي مشروع مجتمعي؟
سجّل تقرير صادر عن جمعيات مغربية انخفاض عدد التلاميذ المسجلين بالقطاع العمومي في عام 2014، مقارنة مع عام 2000 الذي عرف إدخال الميثاق الوطني للتربية والتكوين حيّز التنفيذ، وذلك بعد تنامي المدارس الخصوصية التي تستهدف الأسر الغنية في المدار الحضري، ومن مثال ذلك أن نسبة التعليم الخصوصي تصل بمنطقة القنيطرة-الدار البيضاء إلى ما بين 35% و50%.
هذا التقرير الذي جرى تقديمه إلى لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالأمم المتحدة، إثر تناول اللجنة لبعض الأسئلة حول المغرب في دورتها 55، أعدته الجمعيات التالية: الائتلاف المغربي من أجل تعليم للجميع، الفدرالية الوطنية لآباء وأولياء التلاميذ بالمغرب، فرع المبادرة العالمية من أجل الحقوق الإقتصادية والاجتماعية والثقافية، حركة أنفاس ديمقراطية، أطاك المغرب، الاتحاد الطلابي لتغيير النظام التعليمي، بيتي، وجمعية زاينو.
وأبرز التقرير ذاته أن التعليم الخصوصي لم تكن تتجاوز نسبته 9% عام 1999، بينما وصلت إلى 18% في عام 2014، بنمو سنوي قدره 6%، كما أن رسوم التمدرس بالمؤسسات التعليمية الخاصة غير مقننة وتتراوح نسبتها بالدار البيضاء بين 400 درهم و5000 درهم في السلك الابتدائي فقط، رغم أن الدخل الشهري المتوسط في المغرب هو 3500 درهم، يشير التقرير الذي ذكر أن أُسر العاصمة الاقتصادية تنفق في المتوسط 31 ألف درهم سنوياً لتمدرس أبنائها في القطاع الخاص من السنة الأولى ابتدائي حتى آخر سنة من السلك الثانوي التأهيلي.
وتتسبب التكاليف المرتفعة للتعليم الخصوصي في ثلاثة مشاكل أساسية، الأول أنها تمنع وصول عدد كبير من أطفال الطبقات المُعوزة إلى المدارس الخاصة، الثاني أنها تتسبّب في تفقير بعض الأسر بحرمانها من حقوق أخرى كالحق في السكن أو الصحة، الثالثة أنها تساهم في توسيع الفوارق الاجتماعية بتمكينها العائلات الميسورة من ولوج أفضل المدارس بما يمنح أطفالها مكانة تفضيلية داخل المجتمع، يُبيّن التقرير.
كما لفت التقرير إلى أن الأسر المغربية تساهم مادياً في تمدرس أطفالها بالقطاع العمومي، وذلك من خلال رسوم من المفروض أن تكون مجانية كبطاقات التلميذ، الانخراط في الجمعية الرياضية، شراء الأظرفة المتنبرة، ملفات التسجيل في البكالوريا وما إلى ذلك، منبهاً في سياق آخر من استمرار إغلاق المدارس العمومية، وذلك بعد "إغلاق 194 مدرسة منذ سنة 2008، وتهديد مدارس أخرى بالإغلاق".
وقد انطلق التقرير من فكرة أن الحق في التعليم تكفله المعاهدة الدولية المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تُلزم الدول الأعضاء بضمان عدم التمييز في هذه الحقوق على أساس الأصل الاجتماعي أو الثروة أو المولد، كما تحثها على الاستثمار في مجال التعليم وعلى ضمان عدم تسبّب التعليم الخاص في تفاوتات اجتماعية قصوى.
وذكّر التقرير بالمسلسل الذي نهجته الدولة لتشجيع التعليم الخاص، بدءاً بإطلاق برامج الخوصصة عام 1983 بعد ضغط من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ثم اعتمادها على الميثاق الوطني للتربية والتكوين عام 1999 الذي لم يضع معايير خاصة بتنظيم تكاليف التمدرس في القطاع الخاص، وبعد ذلك برنامج "نجاح" الذي عانى من سوء التدبير، وأخيراً تصريح رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران شهر نونبر 2014 بـ"ضرورة رفع الدولة يدها عن قطاعات كالصحة والتعليم، واقتصارها على مساعدة الفاعلين الذين يرغبون في الانخراط في هذه القطاعات".
ونادت الجمعيات الموّقعة على التقرير بضرورة العمل على عدم خلق التعليم الخاص لتفاوتات في التمييز أو أن يكون عاملاً انقسام داخل المجتمع، وذلك بأن تتعهد الدولة بتوفير تعليم عمومي جيد للجميع، بشكل لا يجعل الخصوصي يحلّ محلّه، كما على الدولة أن تُنظم القطاع الخاص بأن يُوّفر تعليماً جيداً منظماً سواء في النصوص القانونية أو على أرض التطبيق، ومتضمناً لآليات المراقبة والمحاسبة، وبعيداً عن البعد التجاري الصرف.
هسبريس - إسماعيل عزام
الاثنين 02 فبراير 2015
مواضيع ومقالات مشابهة