الخوف حالة انفعاليَّة يحسُّها كل إنسان بل كل
حيّ ، وكل خبرة وجدانية مخيفة يصادفها الإنسان في طفولته قد يستعيدها - لا
شعورياً - في كِبَره ، وقد يسقط مشاعره على المواقف والخبرات المشابهة
فيخاف منها .
هناك شبه إجماع بين علماء النفس على أن الأصوات العالية الفجائية أهمُّ
المثيرات الأولى للخوف في الطفولة المبكرة ، ففي عمر الثانية حتى الخامسة
يفزع الطفل من الأماكن الغريبة ، ومن الوقوع من مكان مرتفع ، ومن الغرباء ،
ويخاف من الحيوانات والطيور التي لم يألفها .
ويخاف تكرار الخبرات المؤلمة التي مَرَّ بها كالعلاج الطبي ، أو عملية
جراحيَّة ، كما يخاف منه الكبار حوله لأنه يقلِّدهم ، ويظهر انفعال الخوف
عند الطفل في صورة فزع تبدو على وجهه ، وقد يكون مصحوباً بالصرع ، ثم يتطور
إلى الهرب المصحوب برعشة ، وتغيُّرات في خلجات الوجه ، وكلام متقطِّع .
أنواع الخوف :
المخاوف الأكثر شيوعاً بين الأطفال هي مخاوف محسوسة وحقيقية يلمسها
الآباء في أطفالهم بسهولة لأنهم يعبِّرون عنها بوضوح ، ومن هذه المخاوف
الخوف من الشرطي ، والطبيب ، والمدرسة ، والحيوانات ، والظلام ، وطلقات
المدفع ، والبرق ، والأماكن العالية ، وحوض السباحة ، والبحر ، والنار ،
والثعابين والحشرات .
وهناك من الأطفال من يخاف من السفر في قطار ، أو باخرة لأول مرة ،
ومنهم من يخاف من الزحام والمرض ، والصعود إلى أماكن مرتفعة ، وإلى غير ذلك
من المخاوف .
الخوف بين السلب والإيجاب :
انعدام الخوف في طفل ما قد يكون نادراً للغاية ، وهو يرجع عادة إلى
قِلَّة إدراكه كما هو الحال في ضعاف العقول ، الذين لا يدركون مواقف الخطر
أو الضرر ، فقد يمسك البالغ ضعيف العقل ثعباناً ، أو يضع يده في مكان يصيبه
بضرر لعدم تقديره لخطورة مثل هذه المواقف .
كما أنَّ الطفل الصغير رغم ذكائه قد يُقدم على الثعبان ، ظنّاً منه أنه
لعبة يمكنه أن يتسلَّى بها ، غير مدرك الضرر الذي قد يلحقه منه ، لكن هذا
الطفل يستجيب باتِّصال الخوف للمواقف نفسها في سنِّ الخامسة أو السادسة .
وكثيراً من الآباء والأمهات من يستنكف أن يشعر أبناؤهم بالخوف ، خشية
أن يشبَّ على هذه العادة ، فهؤلاء الآباء غير الواقعيين ينظرون إلى مخاوف
الأطفال كأنها قصور في إدراك الطفل ، وبذلك يقمعون انفعالات الخوف التي
تظهر على أبنائهم اعتقاداً منهم أن ذلك كفيل باستئصالها .
وإن هذا الأسلوب يزيد مخاوف الأطفال ويعقِّد شخصياتهم ، وهؤلاء الآباء
والأمَّهات عاجزون عن فهم نفسية الطفل ومشاعره ومخاوفه الطبيعية ، وقد نسوا
أنهم مرُّوا بالانفعالات نفسها في طفولتهم ، وقد يلجأ بعض الآباء والأمهات
لعلاج خوف الطفل بالسخريَّة منه ، أو إثارة ضحك أفراد الأسرة عليه بسبب
مخاوفه ، وقد يتخذ الأخوة هذه المخاوف وسيله للتسلية والضحك على حساب مشاعر
الطفل المسكين .
بل قد يلجئون إلى تخويفه بما يخاف منه ، فيعقِّدون بذلك شخصيته ، كما
تسوء علاقته بوالديه وبأفراد أسرته ، وقد يلجأ بعض الآباء والأمهات
والمربُّون إلى تخويف الطفل لدفعه لعمل معين ، أو لمنعه من عمل معين ، أو
إلزامه بالسكوت ، أو مذاكرة دروسه .
وكثيراً ما يقال للطفل في الحضانة أنه سيوضع في حجرة الفئران ، أو أن
الغول سيخطفه ، أو القطط ستأكله ، وإلى غير ذلك من الأقوال الشائعة لضمان
هدوئه ، وبعض الآباء والأمَّهات ينزع إلى فرض سلطته المطلقة على أطفاله ،
فيخيفهم بالطبيب ، أو بالمدرِّس في المدرسة ، أو بالشغل .
وبعض الأمهات يلجأن إلى تخويف الطفل لينام في ساعة محددة ، فيهدِّدونه
بالغولة ، أو بالعفريت ، وينسى هذا البعض أن ذلك يجعل الطفل يميل إلى
الانطواء حول الذات ويجبر مخاوفه في مرارة وضيق ، فتربية الآباء والأمهات
لتعليمهم أساليب التربية وفنونها ينبغي أن تسبق تربية الأبناء ، إذ يجب أن
يعرفوا الخصائص النفسيَّة لكلِّ مرحلة من مراحل أبنائهم ، وسبل التعامل
معهم في كل مرحلة .
واجهي مخاوف صغيرك :
أشْبِعِي حاجة طفلك من الدفء والمحبة ليشعر بالأمن والطمأنينة ، وامزجي
ذلك بدرجة معقولة ومرنة من الحزم ، فإن صادف طفلك ما يُخيفه أو يزعجه فلا
تساعديه نسيانه ، فالنسيان يدفن المخاوف في النفس ، ثم يصبح مصدراً للقلق
والاضطراب ، ولكن أوضحي الأمور لطفلك ، واشبعي فضوله ، وطَمْئنِيه دون أن
تخدعيه .
ونمِّي روح الاستقلال والاعتماد على النفس في طفلك كلما أمكن ، دون أن
تخدعيه ، ووفِّري له المحيط العائلي الهادئ الذي يشبع حاجاته النفسية ،
لأنّ الاضطراب العائلي يُزعزع ثقة الطفل بنفسه .
واحرصي على أن يكون سلوك المحيطين بطفلك متَّزناً ، خالياً من الهلع
والفزع في أي موقف من المواقف ، وخصوصاً إذا مرض الطفل أو أصابه مكروه ،
وساعديه على مواجهة المواقف التي ارتبطت في ذهنه بانفعال الخوف ، كالخوف من
القطط أو الكلاب أو الماء بتشجيعه ، دون زجره أو نقده .
وقدِّمي له الحقائق وأكِّدي له أنَّه لا خطورة في الموقف ، إلى أن
يقتنع ويسلك السلوك السويَّ بدافع نفسه ، واعتماداً على ثقته بالأب والأم
ومَن حوله من الأهل ، واستعملي الخوف البنَّاء في تغذية إيمان طفلك بالله ،
وتنمية شخصيته ، وتعويده احترام النظام ، فأبعدي طفلك عن مُثيرات الخوف ،
كالمآتم ، والقصص المُخيفة عن الغولة والجن والعفاريت .
ويمكننا الحكم على درجة خوف الطفل بمقارنة مخاوفه بمخاوف أغلب الأطفال
في سنِّه ، فالطفل في الثالثة من عمره إذا خاف من الظلام وطلب أن تضيء له
المكان ، فربَّما كان ذلك في حدود الخوف المعقول ، أما إذا أبدى فزعاً
شديداً من الظلام وفقد اتِّزانه ، فلا شَكَّ أن خوفه مبالغ فيه ، فالخوف
الطبيعي المعقول مفيد لسلامة الفرد أيّاً كان سِنَّه ، أما الخوف المبالغ
فيه فهو يضر بشخصية الفرد وسلوكه .
ليست هناك تعليقات