الأسباب الكامنة وراء نجاح الطلاب من الصين وكوريا وسنغافورة لماذا صارت المدارس الآسيوية هي الأفضل؟
في
سن الخامسة عشرة يسبق طالب شنغهاي نظيره من الاتحاد الأوروبي في مادة
الرياضيات (بثلاث سنوات)، ويتقدم الطفل الكوري نظيره الأوروبي بعام في
القراءة والفهم.
هذا
ما ورد في تقرير لـ«مركز جراتان للدراسات» الذي تموله الحكومة الأسترالية
الصادر في شهر فبراير 2012، حيث يستكشف أسباب نجاح النظام التعليمي في
أسيا.
يعد شرق أسيا الآن مركز الأداء الأعلى للطلاب عالميا، وبحسب تقرير «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية»Rلعام
2009 حازت أربع دول أسيوية هي: هونج كونج وكوريا والصين وسنغافورة أربعة
مراكز من المراكز الخمس الأولى للنظم التعليمية الأعلى أداء على مستوى
العالم. ففي شنغهاي يتقدم الطالب ذو الـ15 ربيعا في مادة الرياضيات على
نظيره في أستراليا والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وأوروبا
بسنتين إلى ثلاث سنوات.
والمفاجأة
أن نجاح نظم التعليم في هذه البلدان الأربعة لم يكن دائما بسبب زيادة
الإنفاق، فكوريا -على سبيل المثال - تنفق أقل من المتوسط الذي قدرته منظمة
التعاون الاقتصادي والتنمية. ولا يزعم التقرير أنه ينبغي استنساخ سياسات
هذه الدول أو أساليب اتخاذ القرار فيها، بل ينصح كل دولة بأن تخيط لنفسها
ثوب الإصلاح بما يتوافق مع نظمها وثقافتها.
وهذه
النظم الأربعة تركز على الأمور المعروفة في الفصول الدراسية، مثل التركيز
الشديد على عملية التعلم، والاهتمام البالغ بتهيئة المعلم، والبحث العلمي،
والتعاون، والتوجيه، وردود الفعل، واستمرار التطوير المهني. وهذه الأمور
تحديدا هي نفس الإصلاحات التي تحاول أستراليا وغيرها من الدول الغربية
تضمينها في المدارس، لكن إلى الآن غالبًا ما يكون هناك انفصال بين الهدف من
السياسات وأثرها في الفصول الدراسية. أما هذه الأنظمة الآسيوية الأربعة
فقد وجدت طرقا لتحقيق الاستراتيجيات رفيعة المستوى التي حاول الآخرون
تحقيقها في الفصول الدراسية ولم يفلحوا.
ودور
المعلم - في النظم الأسيوية - يعد أساسيًا فهو شريك في عملية الإصلاح، ففي
كوريا يجب أن يمر المعلمون باختبارات قبول وتقديم عرض داخل الفصول
الدراسية قبل أن يصيروا معلمين، وفي شنغهاي يوجد موجهون لجميع المعلمين،
ويكون للمعلم الجديد موجهان (أحدهما على إدارة الصف، والآخر على محتوى
المادة). وفي هونج كونغ تهدف الملاحظات الصفية إلى تغيير ثقافة المعلم
وتحسين طرق التدريس، وينصب التركيز على الانفتاح على الأفكار الجديدة
والتعلم المستمر.
وهذه
الأنظمة الأربعة لا تخشى القيام بمفاضلات صعبة لتحقيق أهدافها، فشنغهاي،
على سبيل المثال، لديها فصول ذات أحجام أكبر من حيث عدد الطلاب، فقد يصل
عددهم في قاعة الدراسة إلى الضعف مقارنة بقاعات الدرس في الدول الغربية .
وهذه
النظم لا تعد مثالية، من وجهة نظر البعض، ولا تتمتع بشعبية عالميا، فهونج
كونغ تقر بأن تخليها عن نظام الاختبارات الصارم لم يقنع حتى الآن معظم
الآباء والأمهات.
وفي المقابل هناك العديد من البلدان تحاول محاكاة النجاح الذي حققته هذه الأنظمة، متسائلة عن سر النجاح.
ويجيب التقرير الصادر عن مؤسسة «جراتان» بأن هناك بعض العوامل المشتركة التي أدت إلى هذه النتائج منها:
أولًا:
التركيز على تدريب المعلمين والسخاء في تقديم الحوافز من أجل الحصول على
الأفضل، إلى درجة أن المعلمين في سنغافورة يعتبرون موظفين بداية من السنة
الأولى للتدريب، ويدفع لهم وفقا لتلك المسؤولية.
ثانيًا:
الإشراف، ففي شنغهاي - على سبيل المثال - يتوفر لكل مدرس جديد اثنان من
الموجهين إضافة إلى المدرسين القدامى المشهود لهم، كل أولئك يدله ويرشده
إلى تجويد الأداء.
ثالثًا: تقديم الحوافز للمعلمين لتشجيع البحث العلمي عن أساليب تربوية جديدة وأكثر فعالية.
رابعًا:
ومع العلم بحاجة المعلمين للوقت لتحسين أدائهم، فقد رأى التقرير أن
الأنظمة الآسيوية فهمت أنه لا بد من إيجاد حل وسط، فاختارت اعتماد فصول
كبيرة مع ساعات تدريس أقل، ومن ثم فإن المعلم في شنغهاي يعمل في قاعة فيها
40 طالبًا لكنه يعمل أسبوعيًا 12 ساعة فقط، بينما في الولايات المتحدة
الأمريكية تضم الفصول 23 طالبًا لكن المعلم عليه أن يعمل لمدة 30 ساعة
أسبوعيًا.
وعزز
هذا النجاح الرائع لنظم التعليم الأسيوية الأربعة ما تتمتع به من تطبيق
للعدالة والمساواة فاق غالبية الدول الغربية، فبمقارنة بين هذه النظم
الأسيوية وغالبية دول منظمة التعاون والتنمية يتبين أن احتمال ترك طفل فقير
بلا تعليم أو تسربه من التعليم يكون أقل عند الأسيويين.
كذلك فإن الفرق بين الطلاب الأفضل والطلاب الأسوأ أقل بكثير مما هو موجود في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
وقد
فند التقرير أيضًا بعض الأوهام فيما يتعلق بالأداء العالي للطلبة
الأسيويين، حيث استبعد التأثير الثقافي والإرث الكونفوشيوسي للبلاد التي
تدور في الفلك الصيني، مبررًا ذلك بأن نفس المقوم الثقافي كان موجودًا قبل
عشر سنوات حين كانت معدلات الأداء متدنية، ومؤكدًا أن الذي تغير هو
السياسات.
الوهم
الآخر الذي فنده التقرير هو ربط تحسن الأداء في النظم الأسيوية بزيادة
الإنفاق، ودلل التقرير على عدم صحة هذه الفرضية بأن معدل الإنفاق في كوريا
دون المعدل الذي قدرته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ومع ذلك تحقق
أداء ممتازًا.
بعد
صدور تقرير «مركز جراتان للدراسات» تساءلت صحيفة «وول ستريت جورنال» إذا
ما كان من المجدي البدء في التفكير في إرسال الأطفال الأمريكان إلى مدارس
آسيا.
والغريب
في الأمر أن هذا يحدث في وقت يثور فيه جدل كبير في الصين حول كيفية تحسين
التعليم في البلاد، مع الاستعانة على ذلك ببعض سمات النظام التعليمي في
الغرب، وينظر كثير من الناس إلى نظام التعليم المحلي على أنه يثبط تماما عن
الإبداع والابتكار لدى الشباب، وهي الأمور التي لا غنى عنها لتطوير
الاقتصاد القائم على المعرفة.
وكان
الكاتب الصيني «تشونغ داوران» مؤلف كتاب «لا عذر» الذي انتقد فيه النظام
التعليمي المحلي، قد قال أخيرًا في حوار معه أن التعليم في الصين «يدمر
الإبداع، ويحرم الناس من أن يكون لهم رأي أو أن يسلكوا الطريق الذي
يختارونه».
وفي
كتاب «جامعي في الصين» للإسباني «دانيال منديز» أوضح بدقة تناقضات نظام
التعليم في الصين وناقش نقاشا حادا حول نقاط ضعفه من وجهة نظر طالب إسباني
في واحدة من أفضل جامعات الصين.
الهوامش:
R
هي منظمة أسست عام 1961 وينضوي تحت لوائها 31 دولة من الدول المتقدمة التي
تلتزم بالديمقراطية واقتصاد السوق، ومقرها في العاصمة الفرنسية باريس.
وتلتزم المنظمة بدعم النمو المستدام والتوظيف ورفع مستوى المعيشة والحفاظ
على الاستقرار المالي، ومساعدة البلدان الأخرى في التنمية الاقتصادية،
والمساهمة في نمو التجارة العالمية.
وتعد
المنظمة منتدى للضغط يمكن أن يكون حافزًا قويًا لتحسين السياسات وتنفيذها
عن طريق سن القوانين غير الملزمة التي يمكن أن تؤدي أحيانًا إلى المعاهدات
الملزمة.
المصادر:
http://www.expansion.com/2012/02/27/economia/1330341484.html
تقرير معهد جراتان
http://www.grattan.edu.au/publications/129_report_learning_from_the_best_main.pdf
بقلم : جمال عفيفي
مواضيع ومقالات مشابهة